السبت، 17 نوفمبر 2012

و بعد أن نطق الصمت !! ... مهندس صلاح يحيى



و بعد أن نطق الصمت !! 


بالرغم من التعب النفسى والجسدى الذى كنت أعانى منه ، لم يزنى النوم تلك الليله ، وتركنى أصارع الهواجس السوداوية ، والأفكار المظلمة .. وحيدا.

قررت ان امنع نفسى عن الكلام ، ابتلعت ريقى بصعوبة ، محاولا أن أجمع شتات نفسى المتناثرة ، حاولت أن اتكلم ، أريد أن أحتج ، أعترض ، أعلن عن عدم رضاى بما حولى .

لكن حروفى ماتت على شفتى ، وخرج صوتى مبحوحا ، ولم استطع أن اتكلم فأنى أحتاج الى وقت طويل لآستعيد عافيتى وقدرتى ورأيت العلاج الوحيد لحالتى .. أن أكف عن الكلام .


لحظة ضعف!!

وجلست وحيدا منفرا فى الممر المؤدى الى بوابه الخروج جلست على كرسى خشبى ، محاولا تهدئة نفسى ، والتقطت طرف شماغى، ومسحت به ما علق بعينى من أثار الدمع المحبوس الذى يسقط وانا احاول ان امنعه فأجدهع يسقط دون ان ادرى .. وبينما أنا مغمض عيناى ، وواضعا يدى على رأسى ، تناهى الى مسامعى صوت يقول : " أأنت بخير يابنى"

التفت لأجد أمى من تنظر الى مقطبة حاجبها ، وتعلو تقاسيم وجهها نظرة حزن وشفقة ، كدت أصرخ من شدة الألم ، رغم تظاهرى أمامها أننى على مايرام ، وأطلب منها أن تضمنى لصدرها وتمس على رأسى كما كانت تفعل معى صغيرا ، فلم أكن فى حاله نفسية تسمح لى بأن اتلقى الشفقة من آخرين حتى ولو كانت من أقرب الناس اللى .. أو تعاطف من أحد خصوصا فى هذه اللحظة .. لحظة ضعفى !!..

قررت أن أخرج بعيدا لكى أخرج من لحظة صمتى .. ولحظة ضعفى .. ركبت سيارتى ، وجلست خلف مقدوها ، أنزلت (الشماسة) وفتحت المرآة الملحقة بها ، وعلى ضوء المصباح الخافت ، دققت النظر الى وجهى الشاحب ، وآلاف الأسئلة تدور بداخلى ، ما الذى جرى لى ؟ ما زالت عيناى كما هى ، وأنفى فى مكانه ، شفتاى فى عهدهما ، أمنعت النظر الى عينى ، وأنا أحاول النفاذ الى داخل روحى ، لم استطع أن اتحمل أكثر من ذلك ، شعرت بكره عجيب لمن ينظر الى المرآة ، كرهت الضعف الذى يعيشه ، لم أطق النظر اليه ، أغلقت المرأة ، وقدت سيارتى شاردا متجها الى مكان مجهول لا أعلم أتجاهه ، اسير بلا هدف ولا مكان محدد لكى أهرب مما بداخلى ، بعدها غيرت اتجاهى وقدت سيارتى متجها نحو المنزل ، وعندما دخلته أسرعت أجر أذيال ثوبى نحو غرفتى ، لم أخرج على والدتى فى غرفتها بالطابق الأسفل كما كنت افعل دائما ، فلقد احسست بأنى مثير للشفقة ، وفضلت أن أحتفظ بكل الحزن لوحدى ، وأوفر الألم لنفسى فقط ، هذا ما كنت أقنع به نفسى على الأقل ، لآنى كنت أعرف أن نفسى وروحى تفضل أن تجلس وحيدة على أن تنال أسى وشفقة من الآخرين .

بدأت شخصيتى الاجتماعية المرحه فى التراجع ، وبدأت تبرز على السطح شخصية اخرى ، متوحدة ، لا تطيق الجلوس مع الناس ، لم أجد للفكاهة طعما ، ولا الجلوس مع عائلتى وأصدقائى ممتها ، وكنت أتحين الفرص لأهرب الى غرفتى وحيدا ، الجأ الى الأنتر نت ، أو الى أقرب كتاب يقع على يدى ، حتى عندما أجلس مع الناس كنت أجد نفسى أميل الى التأمل اكثر ، تعودت أن أنصت الى الآخرين حتى النهاية .. أو حتى أن يملو من الحديث .. فلم يكن لى خيار آخر حينها، هكذا مر على ذلك اليوم ، وحيدا متأملا ... صامتا .

لغه العيون

هذا اليوم مر ببطئ ، والأوقات الحزينة تأخذ حقها الكامل من الدقائق والثوانى ، وكأنما تريدك أن تتذوق كل لحظة وكل ثانية ، فلم يمضى على سوى ثلاثة أيام ، شعرت بأنها ثلاثة أسابيع من طولها ، أغلقت هاتفى خلالها ، واصبحت مقصرا فى كل شئ ، وشعرت بأننى فى تلك الفترة تعلمت الكثير ، ومن أفضل ما تعلمته ( لغة العيون )، فكثيرا ما كنت أرسم على شفتى ابتسامة ، وأمعن النظر فى عينى من امامى ، مستعمعا لما يقول ، منتبها أكثر الى حديث عينيه التى تجرى مع عينى حديثا طويلا صادقا ، بعيدا عن كل زيف وخداع ، تعلمت أن العينان هما بوابة الروح ، وبهما تعرف كل ما تريد عمن أمامك ، ولا يكلفك ذلك سوى نظرة واحدة !
تعلمت فوائد الصمت

فلقد خرجت من فترة الصمت الاجبارية التى دامت على مر يومين وكانهم سنتين خرجت بفوائد لا تحصى:

• فبداية تعودى على الصمت المؤلم ،
• ومن ثم الممتع ،
• الى قراءة نفسى من الداخل بشكل أفضل ،
• فتعلمت أن الكلام ليس أقوى الوسائل التى يمكنن أستخدامها .
• فبالنظرة والتأمل والأبتسامة صادقة تستطيع أن تحقق أصعب الأمور .
• بأبسط الوسائل .
• وأن خلف كل لسان ناطق .. عينان تنتظر منك أن تعرف ما تخبئان ،
• وأن العديد منا يختبأ خلف لسانه وصوته ،
• وربما مظهره !

هذا بعض ما عرفته تلك الفترة التى مرت وكانها عامين وليست يومين .
وهذا ما أنوى أن أستمر فى تطبيقه دوما – بأذن الله - ،

لقد كان هذا كله تحقيقا لقوله تعالى :

( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). – ( البقرة : 216).


غريب هو أمرأنسان ، يخاف من أشياء كثيرة فى حياته ، وعندما يتعود عليها أو يحتاج لها ، تجده يسرع فى فعلها والحصول عليها ، هذا ما كنت أفكر فيه دائما.

فصمتى ... وبالرغم من كرهى له ،
الا انه لقننى أفضل الدروس التى تعلمتها فى حياتى ،
وهكذا أصبحت حالى ...

بعد ان ( نطق الصمت ).

.. تحياتى لكم وأسف على الأطاله !!
..مهندس : صلاح يحيى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق